آخر المواضيع
تحميل ...
الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025

دور النخبة المستعربة في المغرب بعد الاستقلال في تزوير الهوية المغربية وإقصاء الأمازيغية.

12:50:00 ص



دور النخبة المستعربة في المغرب بعد الاستقلال في تزوير الهوية المغربية وإقصاء الأمازيغية.

عند الحديث عن دور النخبة المستعربة في المغرب بعد الاستقلال في تزوير الهوية الوطنية وإقصاء الأمازيغية، فإننا بصدد تحليل واحدة من أخطر مراحل الصراع الثقافي في تاريخ المغرب المعاصر. لقد اعتمدت هذه النخبة استراتيجيات ممنهجة لم تكن تهدف فقط لتمكين العربية، بل لمحاصرة المكون الأمازيغي ومحاولة صهره أو محوه.


إليك تفصيل للميكانزمات التي استُخدمت في هذه العملية:

1. استغلال "الظهير البربري" كفزاعة سياسية

كانت نقطة الانطلاق هي تسييس قضية الهوية عبر ما سُمي بـ "الظهير البربري" (1930).

التزوير التاريخي: قامت النخبة المستعربة بتصوير الأمازيغية كأداة استعمارية لتقسيم المغرب. تم ترويج فكرة أن أي مُطالبة بالحقوق اللغوية الأمازيغية هي "خيانة وطنية" وخدمة لأجندة فرنسا.


النتيجة: نُزع المشروعية عن الأمازيغية كإرث وطني، وأصبحت تُربط في المتخيل الشعبي بالفتنة والتجزئة.

2. الأيديولوجية القومية المستوردة

تشربت النخبة المغربية (خاصة خريجي المشرق أو المتأثرين بالبعث والناصرية) فكرة "الدولة-الأمة" ذات اللغة الواحدة واللون الواحد.

إقصاء التعدد: تم تبني شعار "لغة واحدة، و هوية واحدة"، مع حصر "اللغة الواحدة" في العربية الفصحى فقط.


التعريب القسري للإدارة والأسماء: مُنعت العائلات المغربية من تسمية أبنائها بأسماء أمازيغية في مكاتب الحالة المدنية، واعتُبرت تلك الأسماء "مخالفة للهوية المغربية" (التي فُصلت على مقاس عروبي).

3. تزوير الجغرافيا والتاريخ (التعريب المجالي)

لم يقتصر الأمر على اللغة، بل امتد لـ "تعريب الأرض":

تغيير أسماء الأماكن: تم تغيير أسماء قرى ومدن ومناطق من الأمازيغية إلى أسماء عربية مصطنعة في محاولة لقطع صلة الإنسان بجغرافيته وتاريخه القديم.


المناهج الدراسية: تم تدريس تاريخ المغرب على أنه يبدأ بـ "الفتوحات الإسلامية"، مع تهميش العصور القديمة (الموريتانية والقرطاجية وغيرها) وتصوير الأمازيغ كمجموعات "مهاجرة من اليمن" لنفي صفة الأصالة عنهم وجعلهم مجرد فرع من العروبة.

. التعليم كأداة للإبادة الثقافية

اعتُبرت المدرسة العمومية المختبر الأساسي لصناعة "المغربي الجديد" المقطوع عن جذوره:

احتقار اللغات الأم: تم فرض العربية الفصحى والفرنسية، بينما وُصفت الأمازيغية (التي كانت لغة التواصل اليومي للأغلبية آنذاك) بأنها "لهجة قاصرة" أو "لغة متخلفة" لا تصلح للعلم أو التحضر.


التهميش الممنهج: مُنع تدريس الأمازيغية أو حتى البحث العلمي فيها داخل الجامعات لعقود طويلة، مما خلق جيلاً من الأمازيغ يشعرون بـ "الدونية الثقافية" تجاه لغتهم الأم.

5. دور الإعلام الرسمي

استُخدمت الإذاعة والتلفزة الوطنية كأدوات دعائية لترسيخ الهوية العروبية، حيث كان الفن الشعبي الأمازيغي يُقدم كـ "فلكلور" للفرجة فقط، دون السماح له بالارتقاء إلى مستوى الخطاب المثقف أو السياسي.
النتيجة: "الاغتراب الهوياتي"

أدت هذه السياسات إلى خلق حالة من الاغتراب لدى شريحة واسعة من المغاربة، حيث أصبح المغربي يتحدث بلغة في بيته (الأمازيغية أو الدارجة) ويُجبر على التماهي مع هوية "مشرقية" في المدرسة والإدارة.


ولولا صمود الحركة الثقافية الأمازيغية التي انطلقت في الستينيات والسبعينيات (رغم القمع والمحاكمات)، لكان مشروع هذه النخبة قد نجح في طمس معالم أقدم حضارات شمال إفريقيا بشكل كامل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق