المغرب كله شريف!
من أين جاء هذا الكم الهائل من الشرفاء في المغرب!
إليك مقالي: الشجرة..أو نظام تغيير الأنساب عند البربر...قصة ألم و طموح.
**
هذه نصيحة وجهت لعلماء من أسرة سيدي أحمد بن موسى السملالي موجودة في وثيقة النسب الشريف لأحد العائلات في المكتبة الوطنية بالرباط، عائلة العلامة ابن يعقوب: (لا تقبلوا أن يطلق عليكم إسم "إڭرامن" المرابطين، لأنكم شرفاء، لأن كل من صحت ولايته ينتهي نسبه إلى الدوحة النبوية الشريفة)!٠
تستمر الوثيقة قائلة (إن كل من تبثث ولايته، وٱتصل فضله وظهر برهانه، وفاضت كراماته، وشهرت بركاته وكبر مجده وعلا مقامه ورسخت في الإسلام يده٠٠٠وكثرت مناقبه وعجز الخلق عن إهانته٠٠٠عرف ذكره وتثبث نسبه في بحر النبوة)٠
من خلال هذا التعريف للنسب الشريف، نفهم ان الاخلاق العالية ونتائجها من احترام وتقدير الناس هي دليل انتماء للدوحة النبوية. فلا يتوفر هذا المستوى الخلقي العالي الا عند سليل للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. وبالتالي تسقط الأهلية العلمية الروحية والخلقية الزكية عن باقي الأمم٠
نفهم من خلال هذه الوثيقة أنها خصال يستحيل تواجدها لدى العجم المسلمين، أما إن أخطأت الطبيعة ووجدت في نفسك هذه الخصال فأنت من سلالة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أنت نبوي النسب حتى ولو كنت غابونيا أو يابانيا، أو٠٠ أمازيغيا٠
لكن الخطير في الوثيقة هي النصيحة تلك الموجهة للعائلة الأمازيغية لسيدي أحمد بن موسى السملالي التي تعتز بأمازيغيتها وتفضل أن تنعت بالمرابطية " إڭرامن".
فصاحب النصيحة يجرد العائلة هذه من أمازيغيتها بدعوى أنها بليغة الشأن علميا وٱجتماعيا، وهذا لا يتأتى إلا للخواص من البشر بحسب الوثيقة، هؤلاء الخواص هم أحفاد الرسول الكريم٠ من هنا نتساءل عن سر هذه الشجرات المقدسة٠ هذا بحثي المتواضع في هذا الموضوع٠
نسب سحري:
لن تجد في أي بقعة من المغرب عائلة تخلو من الشرفاء، بمعنى أنها تنتسب للرسول صلى الله عليه وسلم من جهة ما، أو للصحابة رضوان الله عليهم. حتى بات هذا الإنتساب مفخرة لكثير من العائلات ومكسبا روحيا يمكن من مكسب مادي من جاه وسلطة ثقافية، دينية، اقتصادية وسياسية. فجميعنا سمعنا عن عائلات متبرك بها، ليس غالبا لعلو شأن ثقافي، فكري أو ديني، بقدر ما هو فقط بفعل شجرة النسب التي ترتفع إلى صحابي من الصحابة. وكم ألفنا بدون وعي منا، لأن ذلك من الأشياء التي تربينا عليه في محيطنا الإجتماعي المغربي، وسار في عروقنا مسرى الدم وفي أرواحنا جرى مجرى الهواء، حتى صار شيئا طبيعيا وتلقائيا أن نجد أنفسنا نقول لبعض منا: سيدي الشريف، أو للا الشريفة. وقد يكون هذا الشريف أبعد الناس عن أخلاق الشرفاء، كما قال ذلك السفير الألماني السابق في المغرب السيد كارل هوفمان الذي اعتنق الإسلام وذكر في كتابه "الإسلام كبديل" لقاءه بمغاربة من الشرفاء يعاقرون الخمر ويقدمونه في مجالسهم، وهم يظنون أن فكرة الشرفاء تلك تعفيهم من أي واجب ديني أو حتى أخلاقي. فهل هذا اللقب سيضيف شيئا لشخصيتها، أم سيعزز من مكانتها في المجتمع، وهل يكفي هذا اللقب للحصول على احترام الناس وتقديرهم، وهل هذا اللقب له أي دور في حضارة اليوم التي تعتمد على المساواة والعدالة على أساس المواطنة والكرامة الإنسانية؟. وكيف أمكن لبعض من مثقفي ومثقفات القرن الواحد العشرين أن يظلوا متشبثين بهذا الظن العجيب بسحرية الإنتماء الشريف؟. . هكذا يستعبد قوم قوما بطريقة ذكية، تجعل العبد راضيا بل ويحس بأنه شخص مرضي عنه بطريقة لا يعرفها ولكنه مؤمن بذلك.
ٱختيار دقيق:
إن العدد الهائل لمن يدعي هذا النسب يطرح الاستغراب. ذلك يجعلنا نتساءل عن مصداقية هذه الشجرة لكثير من هذه العائلات المغربية . ظهرت هذه التساؤلات حينما كنت في زيارة لأحد معارفنا في بلدة قريبة من بلدتي، فوجأت بسيدة يقولون عنها للاّ الشريفة، وحينما سألتها إلى أي نسب تنتمي أخبرتني أن شجرتهم العائلية ترتفع إلى الصحابي عثمان بن عفان. نفس الشئ سمعته عند كثير من المغاربة الذين يعتبرون أنفسهم أحفاد صحابي من الصحابة غالبا ما يكون عثمان بن عفان، أوعلي بن أبي طالب، الغريب أنه لا وجود لشجرة ترتفع إلى سلمان الفارسي أو صهيب الرومي أو غيرهما من الصحابة الأعجميين، أو حتى من الصحابة الآخرين الذين لم يأت فيهم ذكر عن كونهم مبشرين بالجنة، لا وجود لشجرة ترتفع إلى بلال الحبشي مثلا، إنها كلها أشجار لصحابة مبشرين بالجنة، صحابة من غير السود ومن غير العجم.
لاجئ وشعب:
ثمة أشجار ترتفع إلى إدريس الأول، الذي كان لاجئا سياسيا ٱستقبله الأمازيغ وزوجوه بأميرة أمازيغية، بمعنى أن إدريس الإبن أبوه عربي لاجئ، لكن أمه وأخواله وشعبه وارضه وعاداته ولغته وملابسه كلها أمازيغية، حتى وإن أنجب أبناء فلن يكونوا سوى أمازيغيين٠
مع الإشارة إلى أن ذاك الشعب الصغير الذي حكمه المولى إدريس، ليس سوى قبيلة واحدة إسمها أوربة ونواحيها، في حين ممالك كبيرة كانت في تلك الفترة متسعة في باقي البلاد، فحين يتم الحديث عن دولة الأدارسة بكثير من الحفاوة، يتم السكوت عن دول أخرى في المغرب تجاور الأدارسة، وكانت أول دولة حقيقية شملت كل المغرب ووحدت ممالكه هي الدولة المرابطية الامازيغية ذائعة الصيت والممتدة في افريقيا واروبا.
الأدارسة إذن نسبة إلى رجل فرد لكنه بين جماعة من الملايين الأمازيغية، وهذه الملايين كلها لم تتزوج من إدريس لتنجب هذا العدد الهائل من أدارسة!!.
هذا العدد الذي يحمل البطاقات الشريفة، هذه البطاقات التي لا اعرف ان كانت قانونيا شرعية، لأنه لا يوجد نسب شرعي بدون أم. أين الأم في هذه البطاقة، لم التركيز على جزء من الأبوة المتمثلة في لاجىء عربي، وتهميش تام للأمومة الأمازيغية التي أنجبتهم، هل هناك من ينكر كل هذه الأمهات بهذه الفظاظة!!!. كان حريا على البطاقة أن تحمل إسم إدريس و إسما آخر كنزات أمازيغيات. حتى وان تساءلت دوما: كيف لرجل واحد تزوج بامراة واحدة ان يكون جدا لالاف من الناس يزعمون انهم احفاد اللاجىء من بطش اخوانه شرقا.
والادهى من كل ذلك، حين تسمع من يتحدث عن هذا التلاقح العربي الامازيغي ويضرب مثلا بالمولى ادريس وكنزة الاوربية. هل يكفي ان تتزوج مغربية باجنبي لنتحدث عن اختلاط بشري بين شعب وشعب...يشبه هذا الادبيات المبالغة في وصف الكريم بالبحر والشجاع بالاسد.
وقد يتبادر الينا تساؤل، فهل نحن غير شرفاء لأننا أحفاد أجدادنا الأمازيغ!!! وكل هذا العالم الإسلامي العجمي غير شريف لأنه لا ينتسب للرسول عليه الصلاة والسلام أو أحد من آل بيته!!! ولم يصلهم أحد من لاجئي الجزيرة العربية!...الا يكفي ان تكون فقط انسانا لتكون شريفا.
الغرابة تنتهي حينما نعود عميقا في الماضي، ونتصفح أوراق التاريخ الذي يخبرنا عن منبع هذه الشجرات المليونية المباركة، وقصة هذا الإنتساب.
ولأنني أعرف كم هو موضوع مقدس لدى الكثير من الذين يحملون بطاقة الشرفاء، أو حتى الذين هم مقتنعين بنسبهم الشريف و لا يريدون حملها لجمال أرواحهم الدينية التي لا تقبل التمايز بالألقاب٠ فأنا أود أن أشير إلى أن نصي هذا مبني على مصادر من التاريخ ٱنكببت عليها متطلعة، ٱستجابة لقيمي الأمازيغية التي لا تقبل هذا الكثير من الوثنيات البائدة في بلدنا، لدرجة أن ثمة من يظن أن المغاربة ليس فيهم أمازيغي واحد فكلهم شرفاء ينتسبون للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومع أن هذا الإنتساب يسعد البعض إلا أني لا أعتبره وسيلة شريفة للحصول على الجنة الدنيوية والأخروية.
تجارة بين التعصب والإنعتاق:
ما شراء النسب العربي إلا دليلا على الإحتقار الشديد للأمازيغ من طرف الأمويين٠
ذكر المؤرخون العرب من أمثال بن حيان ، ابن بسام، ابن عذارى، ابن حزم، بعضا من هذه القصص أوردها الأستاذ محمد حقي في كتابه " البربر في الأندلس" حيث جاء في الكتاب مايلي:
" يجمع أغلب الباحثين في تاريخ الأندلس، أن فتح الأندلس كان فكرة وعملا بربريا، وهذا يقتضي أن يكون البربر أكثر المستفيدين من الفتح، ولكننا فيما سبق، رأينا أن الثروات خاصة لم تقتسم بشكل عادل ومتوافق مع الشرع الإسلامي(...)، وهذا خلف نوعا من عدم التوازن بين ما حصل عليه العرب وما وقع بيد البربر(...)،ويضاف إلى هذا أن البربر الذين يشكلون أغلبية العنصر الذخيل لم يمنحوا ولو مرة قيادة البلاد، وتعرضوا للتهميش وسوء المعاملة والإهانات المتكررة، من قبل العرب المتعصبين لعروبتهم دون إعارة أي ٱنتباه لتعاليم الإسلام المساواتية" . ثم يقول في فقرة أخرى " اتخذ الخلفاء خاصة الناصر والمستنصر في بداية عهده إجراأت تمنع الأخذ عن البربر أو تقليدهم". حيث نفهم أن هناك رفض تام للبربر وعاداتهم ولسانهم، ويضيف " إن نظرة الدونية والإحتقار التي نظر بها عرب الأندلس إلى البربر، جعل البربر يشعرون بالنقص والدونية، فٱندفعوا لتقليد العرب مما جعلهم يوجهون ضربة قوية لهويتهم، حتى أنهم أخفوا نسبهم البربري مخافة سخرية آلمتهم". ويسترسل الكتاب في عرض الأسباب التي أدت إلى شراء الأنساب العربية خاصة من طلاب العلم والطموحين سياسيا، حيث أنه كان من المستحيل تقبل شخصا بربريا في وظيفة عالية في السلطة العربية في الأندلس بموجب قانون يحرم ذلك، تماما كالقانون في العصر الأموي الذي يحرم إمامة العجمي في المسجد. كمآ أن العرب رفضوا حكم البربرلأنه عار، ولا يحق لبربري أن يدعي المعالي أو يتحكم في أهل الأندلس.
كانت السنين الأولى من التواجد العربي في الأندلس أسوء ما عاشه البربر في تلك البلاد، حيث كان شغل العرب الشاغل هو تثبيث السلطة العربية في الأندلس وطرد كل عنصر بربري منها، وقد قدر الباحث في التاريخ محمد حقي تلك الفترة العصيبة بخمسين سنة. وهذا دفع عائلات بربرية طموحة إلى مناصب عليا ومكانة في مجتمع طبقي يستند إلى العروبة كأساس لأي جاه في المجتمع، دفعها إلى إخفاء نسبها البربري، وقد ذكر مؤرخوا ذاك الزمان بعضا منهم . هكذا ٱنتشر نظام تغيير الأنساب بين البربر حتى صاروا يصدقون كذبتهم على أنفسهم، وتوارتثها أجيالهم فصرنا نرى آلاف البربر يعتبرون أنفسهم شرفاء من الشجرة النبوية أو الصحابية، بل لا تكاد تخلو قرية ولا مدينة من مئات الشرفاء!!.
ليس فقط في بلدنا حصلت هذه القصة، لقد حصلت عند الأمم الأخرى التي كان لديها كتاب سريين مختصين في خلق أشجار دقيقة تضم أنساب نبيلة لبعض الطموحين الأثرياء في ٱبريطانيا مثلا أثناء العصور الوسطى٠ لكن القصة في ٱبريطانيا لم تصل إلى درجة القطع مع الإنتماء البريطاني، فقد ظلت القصة محصورة في شراء أنساب ٱبريطانية نبيلة في مجتمع ابريطاني طبقي٠
الشجرة..تخفي غابة من التعصب الفائق لكل وصف:
منهج الرفض الصارم الذي تعاملت به النخبة العربية في الأندلس تجاه الامازيغ مهينا لمن اعتبروا أنفسهم فاتحين للأندلس، لم يسبق أن أهانهم أحد من الأمم كما أهانهم عرب الأندلس من الأمويين؛ وهذا خلق جرحا عميقا لم يندمل مع مر السنين، فاٱحتقروا ذواتهم نتيجة ٱحتقار العرب لهم حتى كان عرب الأندلس كما ذكر المؤرخون يصدرون شعرا في هجو البربر فيورد المقري أبياتا لأحد العرب الأندلسيين يهجو فيه البربر قائلا:
رأيت آدم في نومي فقلت له أبا البرية إن الناس قد حكموا
أن البرابر نسل منك،قال:أنا!؟ حواء طالقة إن كان مازعموا
فالنخبة العربية في الأندلس ترى أن البربر لا يصلون إلى مرتبة البشر فينفون عنهم صفة الآدمية، فانعكست هذه الصورة على نظرة البربري لنفسه، فحاول أن يخفي نسبه، ونجح العديد منهم في ذلك، هكذا بدأت قصة إخفاء النسب البربري منذ ذاك الزمن، واستمر على مر العصور حينما فطن بعض البربر إلى قوة الإنتساب لبيت الرسول الكريم أو لبيوت الصحابة في تحقيق المكانة الإجتماعية والسياسية أو فقط لتحقيق الإنتماء الآدمي!!. هذه قصة الكثيرين من شرفائنا، قصة تختلط فيها الآلام والطموحات، ولدت في العصر الأموي بالأندلس و لم تنته.
#خديجة_يكن
الدار البيضاء 28/07/2020
* الصورة: شجرة معدة لتملأ صفحاتها كما تحب.
* أي شخص لديه شجرة المقال لا يسيئ إلى إرثه العائلي، فقط يوجه الرؤية ويفتح زاوية نظر نتجنبها.

0 التعليقات:
إرسال تعليق