تاريخ وأصول قبائل الشاوية بالمغرب
■ ديموغرافية الشاوية عبر العصور :
🌠نهاية العصر المرابطي وبداية العصر الموحدي :
ذكر الجغرافي الإدريسي (1100-1165م) --- أي بعد وفاة أبو بكر اللمتوني المرابطي سنة 1088م، إذ عاصر نهاية دولة المرابطين وبداية عهد الموحدين، أن سكان تامسنا كانوا من قبائل شتى، ومنهم برغواطة. وقد جاء في قوله:
"وقبائل تامسنا شتى مفترقة، فمنهم برغواطة ومطماطة وبنو تسلت وبنو أويقمران وزقارة وبعض من زناتة وبنو يجفش من زناتة" .
🌠خلال العصر الموحدي :
ينقل لنا ابن خلدون انزال ونفي المنصور الموحدي لفرقة من جشم لتنضاف للقبائل الأمازيغية بتامسنا حيث قال :
"ولاذوا بدعوته فنفاهم الى المغرب الأقصى. وأنزل جشم ببلاد تامسنا"
🌠خلال وبعد العصر المريني :
الشاوية أو تامسنا كما كانت تعرف قديما تحدث عنها ابن خلدون (1332-1406م) في اطار حديثه عن بيعة القبائل المغربية للسلطان المريني حيث قال : "فبايعه من الظواعن الشاوية والقبائل الاهلة : هوارة و زكارة و مديونة"
ويحقق المؤرخ حماه الله ولد السالم في قبائل الشاوية بالمغرب حيث قال :
"ومن هوارة اليوم أيضا أمّة كبيرة تترحّل مع زَنَاتَة في سهول تامسنا، الواقعة على المحيط الأطلسي، ويُسمَّونَ جميعُهُم: شاويّة، وهُمُ الذين ذكرهُم بن خلدون في قوله: فبايعه (يعني عبد الحق المريني) من الظواعن(الرّحَّل) الشاوية والقبائل الآهلة (المستقرة): هوّارة وزكّارة."
📃يعطينا الحسن الوزان (1488-1554م)، الذي زار المنطقة، تفاصيل أكثر عنهم، حيث قال عن إقليم تامسنا:
"كان فيه نحو أربعين مدينة وثلثمائة قصر يسكنها عدد من قبائل البربر"
وأضاف :
"يتعايش في بادية تامسنا ثلاثة من هذه الشعوب : زناتة، وهوارة، وصنهاجة"
وتحدث عن طرد المرينيين للفرق الأعرابية وتوطين قبائل زناتة وهوارة وصنهاجة بعد نهاية حكم الموحدين، حيث قال:
"وكان سقوط هذه الأسرة كارثة عظمى على الأعراب الذين وقعوا في فقر مدقع، وطردهم ملوك بني مرين من هذا الإقليم وأعطوه لقبائل زناتة وهوارة جزاء لما لقوه منهم من مناصرة. وهكذا أصبح الزناتيون والهواريون يتصرفون في هذا الإقليم وتكاثروا فيه حتى انهم اليوم، وربما كان ذلك منذ مائة سنة، يخيفون ملوك فاس ويرعدون فرائصهم، اذ يقدر أن عددهم يصل الى ستين ألف فارس ومائتي ألف راجل."
■ لغة قبائل الشاوية في القرن 15 :
قال الحسن الوزان (1488-1554م)، الذي زار إقليم الشاوية عدة مرات:
"سكان تامسنا ... أحرار ذوو شوكة يتكلمون اللغة الافريقية (الأمازيغية)"
■ أنساب قبائل الشاوية :
⭐مديونة :
قبيلة أمازيغية تحدث عنها الكثير من المؤرخين ونسبها الكامل هو "مديونة بن فاتن بن تمصيت بن ضريس بن مازيغ" وهي من البربر البتر من بني فاتن من ضريسة
قال الاصطخري (850-957م) : "والبربر الّذين هم بارض الاندلس وسائر المغرب صنفان صنف يقال لهم البتر وصنف يقال لهم البرانس، فنفزة ومكناسة وهوارة و #مديونة من البتر"
وفي حديثه عن بيوتات البربر بالأندلس تحدث ابن حزم (994-1064م) عن قبيلة مديونة
وتحدث البيدق الصنهاجي (1096-1161م) عن قبيلة مديونة أثناء ذكره لقبائل كومية
أما ابن خلدون (1332-1406م) فأورد نسبها الكامل الذي يمتد الى بني فاتن من ضريسة وهم من البربر البتر
وتحدث أيضا عنها ابن أبي زرع وغيره من المؤرخين
وأبرز حواضرها نجد مدينة الدار البيضاء ومدينة أخرى تحمل نفس اسم القبيلة، وهي مديونة.
⭐المذاكرة :
قبيلة أمازيغية تنتسب لجدها "مذكور" الذي ذكره ابن خلدون والذي أعطانا نسبه الكامل وهو : "مذكور بن محديل بن دحيا بن يلاغف بن لوا بن مطماط بن فاتن بن تمصيت بن ضريس بن مازيغ"
وهي من البربر البتر، وتنتمي إلى بني فاتن من ضريسة، مثلها مثل مديونة، اللتين غالبًا ما يتم احتسابهما ضمن شعب زناتة عند البعض.
وأحد فروعها "مليلة" من هوارة حيث يقول ابن خلدون :"فمن هوار بن أوريغ مليلة وبنو كهلان"
⭐زناتة:
قبيلة أمازيغية تحمل نفس اسم القبيلة الكبرى زناتة, ونسبها الكامل حسب ابن خلدون هو "زناتة بن جانا بن يحيى بن صولات بن ورساك بن ضري بن مقبو بن قروال بن يملا بن مادغيس بن زجيك بن همرحق ابن كراد بن مازيغ"
وأبرز حواضرها نجد مدينة المحمدية او فضالة سابقا التي ذكرها الجغرافي الادريسي
⭐بني مزاب :
قبيلة أمازيغية تحدث عنها ابن خلدون ونسبها الكامل هو "مصاب بن يادين بن محمد بن زرجيك بن واسين بن جانا بن مازيغ"
يقول "بالحاج بن بنوح معروف" في كتاب العمارة الإسلامية مساجد مزاب ومصلياته الجنائزية : "فبناء على قواعد اللهجة المزابية التي يتم فيها استبدال حرف الصاد زاءً مفخمة في الكلمات وبخاصة العربية منها مثل الصوم الذي يصبح (أَزُومي) والصلاة التي تصبح (تْزاليتْ) ومن هنا تصبح كلمة مصاب مزاب" .
⭐المزامزة :
قبيلة أمازيغية تنتمي لمصمودة, فحسب المؤرخ التقي العلوي في كتابه أصول المغاربة فهم ينحدرون من أمزميز الواقعة ببلاد المصامدة جنوبا بجبال درن.
وأبرز حواضرها مدينة السطات، وهو اسم لقبيلة أمازيغية تسمى "بني صَطَّط" كانت تناصر الموحدين، وتحدث عنها البيدق الصنهاجي في القرن 12 في كتابه.
⭐أولاد بوزيري :
قبيلة أمازيغية تنتمي لصنهاجة, يقول القلقشندي (1355-1418م) : "بنو زيري - بطن من صنهاجة من البرنس من البربر" وهو ما أكده المؤرخ التقي العلوي في كتابه أصول المغاربة.
وأبرز فروعها نجد "بني ياكرين" وهي قبيلة امازيغية لواتية تحدث عنها ابن حوقل (943-988م)
⭐أولاد سيدي بن داود :
قبيلة أمازيغية تنحدر من صنهاجة، حيث يشير المؤرخ التقي العلوي في كتابه أصول المغاربة إلى أن ترجمة سيدي بنداود نفسه تقر بصنهاجيته، وهو ما يتفق عليه جميع المصادر المغربية والأجنبية التي تناولت أصل سيدي بنداود. ومن أبرز المراكز في القبيلة نجد "كيسر"، وهي نفسها "قرية إيغيسل" التي تحدث عنها الجغرافي الإدريسي، إذ تطابق الوصف والموقع الذي حدده.
⭐الزيايدة :
قبيلة أمازيغية تنحدر من صنهاجة، حيث يقول ابن أبي زرع (القرن 13) في حديثه عن قبائل صنهاجة: "وتنقسم صنهاجة على سبعين قبيلة منهم... بني زياد"، وهو ما أكده المؤرخ التقي العلوي في كتابه أصول المغاربة. وهنا نشير كملاحظة أن المؤرخ حماه الله ولد السالم في تحقيقه لكتاب البكري المسالك والممالك يرجح نسب بني زياد بتامسنا لشعب هوارة كما جاء عند البكري، والله أعلم بحقيقة ذلك. ومن أبرز مراكزها نجد بنسليمان.
⭐أولاد زيان:
تعد هذه القبيلة موضع خلاف، فـ"زيان" قد ينحدر من زغبة، أو قد يكون من "بني زيان" من زناتة. فالحسن الوزان، الذي زار المنطقة عدة مرات، أشار فقط إلى ثلاث شعوب بتامسنا، وهم زناتة وهوارة وصنهاجة، دون أي ذكر لزغبة.
والله أعلم بحقيقة ذلك.
👈أما أنساب القبائل الأخرى، ففيها سوء في التحقيق. فبحسب ابن خلدون، كان موطن بني سليم في المغرب الأدنى، وليس في المغرب الأقصى. كما حدد الحسن الوزان، الذي زار منطقة تامسنا ومنها الشاوية عدة مرات، أن سكانها يتوزعون بين ثلاث مجموعات رئيسية: زناتة، وهوارة، وصنهاجة.
والقبائل التي ذكرنا أنسابها تعود جميعها إما إلى صنهاجة، أو زناتة، أو ضريسة، والتي غالبًا ما يعدها البعض تخليطًا من زناتة. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين اختفت هوارة التي أشار إليها الحسن الوزان؟ وأين ذهبت مصمودة برغواطة التي تحدث عنها الجغرافي الإدريسي، وهم من الشعوب الأمازيغية التي لا تُحصى؟
نجد الإجابة عند ابن خلدون، الذي عاصر في زمانه ادعاء قبائل هوارة الانتساب إلى بني سليم، ونتيجة لذلك، فمن الطبيعي تبني بعضها لأسماء قبائل سُليمية. وهذه الظاهرة لم تكن معروفة عند الأمازيغ قبل الإسلام، بل نشأت نتيجة الخلط بين الإسلام والعروبة والنسب العربي، وهو ما أكدته المصادر التاريخية، وتؤكده الدراسات الجينية الحديثة.
يقول ابن خلدون عن هوارة في ليبيا:
"وهم ينسبون في المغرب تارة في العزة، ويزعمون أنهم من بني كعب ابن سليم، وتارة في الهيب كذلك، وتارة في فزارة. والصحيح في نسبهم أنهم من مسراتة، إحدى بطون هوارة، سمعته من كثير من نسابتهم".
وبناءً على ذلك، وبما أن موطن بني سليم كان في المغرب الأدنى، وبما أن الحسن الوزان ذكر أن تامسنا كانت آهلة بهوارة، فإننا نستنتج أن معظم القبائل المتبقية في هذه المنطقة تعود أصولها إلى هوارة.
ويحقق المؤرخ حماه الله ولد السالم في قبائل الشاوية حيث قال :
"وهؤّارة هيَ من القبائل التي أطلق عليها العرب اسم الشاوية، شأنهم شأن زَناتَة ولواتة، لاتخاذهم الشاة وتعاهدهم لها، مثل هوّارة الشاوية الأمازيغ بجبل أوراس في الجزائر، وهوّارة الشاوية المستعربين بسهول الأطلسى في المغرب الأقصي."
ويضيف في موضع أخر :
"حيث ذكر الأخير (ابن خلدون) قبائل لواتة وهوّارة وزناتة، شاويّة، سواء منهُم الموطَنين في الجزائر أو في المغرب أو في مصر. فقال عن وسمّاهم زناتة: زناتة بالمغرب، كانوا شاوية يؤدون المغارم لمن كان على عهدهم من الملوك، وقال عن هوّارة: فمنهم لهذا العهد بمصر أوزاع متفرقون أوطنوها أكرَة وعبّارة وشاويّة، وقال عن هوّارة أيضا: فبايعه (أي: عبد الحق المريني) من الظواعن (أي: الرّحَّل) الشّاوية، والقبائل الآهلة (أي: المستقرة)، هوّارة وزكّارة، وقال عن لواتة؛ ومنهم أوزاع (أي: فِرَقٌ) مفترقون بمصر وقرى الصعيد شاوية وفلاحين. ومن الغريب أيضا، أنّ القبائل الشّاوية في أوراس اليوم، تنتمي كلها تقريبا إلى قبائل هوّارة وزناتة ولواتة، وهم سواء في الجزائر، أو في المغرب، أو في مصر"
فيتضح أن الشاوية هم من زناتة وهوارة ولواتة حسب ابن خلدون، وتنضاف لهم صنهاجة حسب الحسن الوزان. هذا إضافة إلى العنصر المصمودي الأصيل في تامسنا المتمثل في برغواطة حسب الجغرافي الإدريسي.
⭐الأعشاش، أولاد علي، السوالم:
ويحقق المؤرخ حماه الله ولد السالم في نسب قبيلة الأعشاش حيث قال :" أنّ قبائل: الأعشاش ... تنحدر من المُسَمّى: سيّار (صيّار؟)، الذي ينتمي إلى قبيلة هوّارة"
وفي موضع اخر قال : "وتعيش مع هذه القبائل الثّلاث قبيلة أخرى شاويّة كبيرة، تنحدر من هوّارة أيضا، هي قبيلة الأعشاش وأولاد سالم (السوالم) و أولاد علي"
وبالتالي فالقبائل الثلاث كلها تنحدر من هوارة.
⭐أولاد سعيد :
قبيلة مقسمة إلى 6 بطون، واثنان منها ينتميان إلى لواتة، مما يحيلنا يقينًا إلى أن نسب سعيد يعود إلى لواتة. نجد قبيلة كدانة أو جدانة، وهي من لواتة حسب ابن خلدون. كما نجد قبيلة مزورة، وهي من لواتة أيضًا حسب ابن حوقل في القرن 10. ويقول القلقشندي (1355-1418م) في كتاب قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان: "من بطون زنارة أيضًا: بني أبي سعيد".
⭐أولاد حريز :
يعد الجد حريز موضوعًا خلافيًا، حيث ينسبه البعض إلى سليم وآخرون إلى معقل، مما يجعل تحديد نسبه أمرًا صعبًا. وتعد تسمية "حريز" شائعة بين الأمازيغ أيضًا، إذ نجدها في كتاب البربر في الأندلس لمحمد حقي، حيث يتحدث عن أحد التوار في الأندلس من بني هابل، وهو منذر بن حريز بن هابل. من الواضح أن الأمازيغ أيضًا يستخدمون هذه التسمية.
وفيما يخص الشاوية، يوضح المؤرخ التقي العلوي قائلاً: "وعلى الرغم من الأصول البربرية لشاوية الشمال الإفريقي عامة، فهم مستعربون حاليًا في أغلبهم. وهذه هي حالة شاوية تامسنا بالمغرب الأقصى التي ينحدر معظم أهلها من زناتة ومصاب وبني ورا ويني يحفش ومغراوة وبني يفرن ومديونة، وفيهم عناصر من بقايا البرغواطيين وبني حسان الغماريين، كما توجد فيهم عناصر صنهاجية ومصمودية وهوارية."
ويضيف أن تامسنا تضم عناصر مصمودية من برغواطة وحتى غمارة، إذ كانت مناطق غمارة في عهد ابن خلدون متصلة جنوبًا بتامسنا. وعليه، وكما هو معلوم فالمرينيين طردوا العناصر العربية من إقليم تامسنا، مما يجعل نسبة حريز إلى أصل عربي بعيدة عن الصواب. وبعد التحقيق في الشخصيات التاريخية، نجد أن البكري في القرن العاشر ذكر "أبو محمد حاميم بن من الله بن حريز بن عمرو بن وجفوال بن وزروال"، الذي كان من أصل مصمودي.
يقول التقي العلوي في كتابه أصول المغاربة حول أصول أولاد صالح الذين يتواجدون في أولاد حريز : "تقول أسطورة محلية أن أولاد صالح ينحدرون من برغواطة". ومن خلال ما سبق، نستنتج أن أولاد حريز لهم أصول مصمودية وبرغواطية واضحة.
■ دراسة جينية حول قبائل الشاوية :
قامت هذه الدراسة بتحليل جينوم قبائل الشاوية في المغرب، وخلصت إلى أن سكان آزرو في الأطلس هم الأقرب إليهم جينيًا، حيث تكتلوا معهم. وقد ذكرت الدراسة: "تم تصنيف سكان الشاوية ضمن مجموعة سكان شمال غرب إفريقيا، وكانوا الأقرب جينيًا إلى بربر آزرو."
الدراسة واضحة وتشير إلى الأصول الأمازيغية القوية لدى قبائل الشاوية، كما أثبتت ذلك المصادر التاريخية. وإذا قمنا بطرح هذا السؤال على الذكاء الاصطناعي مع إعطائه محتوى الدراسة، سيقول لنا: "هذا يعني أن الشاوية لديهم جذور أمازيغية (بربرية) قوية".
ومن المعلوم أن آزرو تقع داخل جبال صنهاجة تاريخيًا، ضمن المجال الذي حدده ابن خلدون، وتحديدًا في قبيلة بني مكيلد الصنهاجية، حيث قال الناصري في الاستقصا: "صنهاجة يشتمل على أفخاذ كثيرة مثل بني مكيلد."
ومن الطبيعي أن تتكتل قبائل الشاوية مع صنهاجة، نظرًا للحضور الصنهاجي القوي فيها، والذي يتمثل في قبائل أولاد بوزيري، وأولاد سيدي بنداود، والزيايدة.